صدای جریده: عارف شریفی الصرخي: مازالت علاقة قوية تجمع الأهوازيين بالعندليب؛ فقد اخترق هذا الطائر الصغير قلوبَهم سریعا و أصبح لهم بعدئذٍ رمزا للمعشوق بدلا من العاشق؛ تم استعارة هذا الحب من إستماعهم إلی أداء الأسمر المصري النحیف «عبدالحلیم حافظ» و إلی غِرَدُ أسمر الریف العراقي «عبادي العماري».
أنّ الاهوازيين كانوا يتابعون الموسيقى العراقية وغناءها حيث هاموا بأغاني مطربي الريف كـ«سلمان المنكوب» و«داخل حسن» و «احضیري أبوعزیز»، و عندليب العراق الأسمر «عبادي العماري» الذي كان اكثر المطربين مكانةً عند الجمهور الأهوازي.
بالرَغم من هذا الوله و التأثير العميق، كان من الغريب إبراز أغنياتٍ تنافس شعبية الطرب الريفي العراقي في الاهواز.
إلا أن جاء مطربا من «أم الدنيا» ممتطیا شریط الكاسیت قاصداً قلوب الأهوازيين.
فتح «عبدالحلیم حافظ» بابَ التنافس مع مطربي الريف فرَغِبَ الأهوازيون كُلاً مِنْهُمَا و هكذا قد انكسر إحتكار الطرب العراقی المحبب في الأهواز.
فبالرغم من مرور سنوات عدیدة و إنهیار سوق الكاسیت إلا أن الجيل الأهوازي الجديد لمّا يفارق «أحضان الحبايب»؛ «الحلوه حیاتی»، «القرنفل»، « النجمه مالت عالقمر»، «زي الهوی»، «ضحك و لعب» و عشرات الأغاني لـ«عندلیب الأسمر» التی مازالت تخترق القلوب و تسكنها جيلٍ بعد جيل.
*عبدالحليم؛ صوتٌ مميز
كان قد وُصِف هذا الصوت الهش بالضعف؛ لكن قد كانت ترافقه موهبة و إبداع فمن المفروض وجود حبل تربط هذا بذاك و تسير بهما نحو قلوب الجمهور العربي المتعطش للفن و الموسيقی!
تميزت أغاني المطرب عبدالحليم حافظ بالأداء الحسي و التعبيري عما كتبه الشاعر أو المؤلف فهذا الأداء المنفرد بنی مدرسة جديدة تدعی «المدرسة التعبيرية».
یعتقد الموسيقِون أن عبدالحليم كان لديه كل مقومات المطرب الناجح. أن صوته الدافئ، والحساس يجري كما تجري الأحداث و المستجدات فيتطور فنه بشكل سريع مع تطوّر و تغییر المجتمع حیث غنى اللون العاطفي، ثم الوطني والثوري، ثم الديني والابتهالات في الفترة الخاصة بها.
*حياته البائسة
كان يعيش حياتاً بائسة في أحوال الطفولة و الشباب، و مساعیه لإثبات شخصيته الفنية و حتی في مرضه الذي عان منه كثیرا قبل وفاته.
لم يمهله البئس زمانا طويلا حتی يكون من مشخصات حياته؛ قد بدأت مأساة هذا الحيات بعد ولادته بأيام؛ توفيت أمه، وتزوج أبوه بعد ذلك؛ فنشأ هذا الطفل فى رعاية زوجة والده، ثم توفى والده قبل أن يتم عبدالحليم عامه الأول، لتترك زوجة الأب الأبناء وحدهم.
رغم أن كانت حياة عبدالحليم، مليئة بالنساء الذى كان يرغب فى الزواج منهن، أنه لم یتوزج طيلة سنوات عمره الـ ۴۷ لأسباب مختلفة فيما يتعلق بمعاناة المرض.
هذا المرض أنهك جسده الهزیل حيث وصلت إجراء العمليات الجراحية إلی اكثر من ۶۰ عملية.
*مرضه الذي أنهكه
مرَض العندليب عبدالحليم حافظ «بالبلهارسيا» التى انتقلت له منذ أن كان طفلاً فى قريته الحلوات بمحافظة الشرقية وتسببت البلهاريسا فى وجود تليف بالكبد، وعاش معه المرض طوال حياته ولكن لم يكتشفه إلا عام ۱۹۵۶م، عندما شاهد النزيف وقت أن كان معزوماً على الإفطار فى شهر رمضان، وبدأت رحلة علاج عبدالحليم حافظ التى استمرت سنوات أشرف على علاجه عدد من الأطباء المصريين والأجانب وكان منهم الدكتور تانر من انجلترا، والدكتورة شيلا شارلوك، والدكتور دوجر ويليامز والدكتور رونالد ماكبث، ودخل أكثر من مستشفى للعلاج منهم فى المغرب وهى مستشفى ابن سينا بالرباط وفى انجلترا مستشفى سان جيمس هيرست، كما عولج فى مستشفى لندن كلينك، ومستشفى كنجز كولدج، بينما المستشفى الأخيرة التى شهدت وفاته «سالبتريد».
*العندليب علی وشك النهایة
عاش عبدالحليم سنوات فى الآلام دون أن يشعر به أحد وسافر لأكثر من دولة للعلاج ولكن قدرة الله شاءت بوفاته فى ۳۰ مارس عام ۱۹۷۷ بلندن عن عمر يناهز ۴۷ عاماً.
يعتبر عام ۱۹۷۷ قمة المعاناة لعبدالحليم؛ أنه قام في هذه السنة رحلة علاجية لإجراء فحوصات طبية للاطمئنان من المرض و ليس أكثر. ولكنه أصيب بمرض «الصفرا» ليضطر الأطباء أن يعطوه عقار الكورتيزون بكميات كبيرة للقضاء على المرض.
وساءت حالة العندليب الأسمر بسبب نقل دم ملوث حمل له فيرس سى والذى لم يتحمله، بالإضافة إلى خدش أمعائه وتسببت له فى نزيف داخلى حاد التى لم يتحمله، وحاول الأطباء وقف النزيف من خلال بالون طبى يبلعه العندليب ولكن لم يتحمل وتوفى فى ۳۰ مارس ۱۹۷۷م، وانتهت قصة حياة العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ.
*جنازة عبد الحليم حافظ وانتحار محبيه
شهدت جنازة عبد الحليم حافظ حشودًا كبيرًا من الشعب المصري، ولم تشهد أي جنازة في أم الدنیا هذه الحشود سوى جنازة الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر، حضر جنازة عبد الحليم حوالي ۲ مليون ونصف من الشعب المصري.
ففي التالي نقرأ معا رسالة فتاة انتحرت عقب وفاة “عبد الحليم حافظ” حيث ألقت الفتاة يومها نفسها من الطابق السابع من البناية نفسها التي كان يسكنها الراحل، تاركة رسالة تحمل السبب وراء انتحارها، ونص الرسالة هو:«سامحنى يا رب على ما فعلت بنفسى، لم أقو على تحمل هذه الصدمة بوفاة أعز وأغلى ما في الحياة عبد الحليم حافظ، فقد كان النور الذي أضاء حياتى، واليوم الخميس كرهت الحياة منذ اللحظة التي قرأت في الصحف خبر وفاته».
*العندليب الأسمر حقاً
طائر العندلیب لا يعيش فى مسقط رأس عبدالحليم قط، و رغم هذا فقد اقترن اسمه بهذا المطرب الشهير؛ التشبيه المتفرد الذي جعله ليصبح المطرب الأول عربيًا.
الصحفي الراحل «جليل البندارى» كان أول من أطلق على عبدالحليم حافظ لقب العندليب الأسمر. هذا اللقب الذي یطابق شخصية المطرب المصري حیث أسهم فى تأكيد موهبته الفذة.
اضافة عن صوته الجميل، كان لعبدالحليم خصائصٌ نجدها في طائر العندليب؛ فكان حرا لم يجعل فنه منقاد لمدح الزعماء حیث رفض الغناء للزعماء سوى الزعيم المصري جمال عبدالناصر. فبالنسبة لطائر العندليب لا يمكن تربيته أسيرًا في القفص، فذلك يؤدى إلى موته.
و من خصائص عبدالحليم الأخری يمكن الإشارة إلی عدد أغاني عبدالحليم التي بلغت نحو ۳۰۰ أغنية. الأعمال التي خلدت ذكراه في عالم الموسيقی العربية. ففي المقابل أن العندليب يعتبر الطائر الوحيد الذى يغنى ليلًا ونهارًا، لا يتصدح صوته مع انتشار ضوء الشمس.
إجمالى ما أنتج العندليب من أغانٍ خلدت ذكراه أكثر من ۲۰۰ أغنية حيث شدا من عام ۱۹۵۱ إلى ۱۹۵۹ بحوالى ۱۲۱ أغنية، ومن عام ۱۹۶۰ إلى ۱۹۶۹ أطربنا بـ ۷۸ لحنا بديعا، ومن عام ۱۹۷۰ إلى ۱۹۷۷ غنى ۳۳ أغنية فى حين أنه أعاد غناء ۲۱ أغنية غناها قبله آخرون.
*العنادِلُ؛ معهد الموسيقی للأهوازيين
لا یوجد معهد موسيقی و لا كلية لتعلم الفنان الغنائي في محافظتنا أنماط الطرب العربي و مدارسه. لكن هناك «عنادلُ شرقية» انحدرت من مدارس موسيقية مختلفة حیث أعطت الأهوازيين معرفة بالنسبة لهذا الفن.
فنری حین بعد حین تقلید الأهوازيين اغنیات هذان المطربان؛ محمد سعید احد هولاء الذی قلد أغاني الراحل «عبدالحليم» بإحتراف. هذا الشاب الاهوازی قدم اغنية «لست قلبی» علی موقع یوتیوب و حقق نسبة مشاهدة تلاحظ.
فهذا الإقبال و الشعبية عدّت الساحران «عبادي العماري» و «عبدالحليم حافظ» رواد هذه المدارس المحببة في الأهواز.
انتهای پیام/
راااائع.. احسنتم …. عجبت، معلومات جدیده بالنسبه لی….، احساسی فی هذه الحاله لایوصف!! صدمت من قرائة حیاه عبدالحلیم.. 😔اشکر الجریده شکراً جزیلا…